أبرز الأخبارمقالات

البطلة “تارا” السوداء تنقذ طفلاً أشقر في كاليفورنيا/ المحامي منيف حمدان

بقلم المحامي الدكتور منيف حمدان:

“وما من دابة في الأرض ولا طير يطيـر بجناحيـــه إلاّ أمم أمثالكم ما فرّطنا فــــي الكتـــــاب مـــــن شــــيء ثمّ إلى ربهم يحشرون” قرآن كريم – سورة الأنعام الآية رقم 38
أوّلاً:المقدمة:
بتاريخ يوم الإثنين، الواقع فيه 18 كانون الأول 2017، وعلى مسافة أسبوع من عيد الميلاد المجيد، تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبراً عاجلاً يفيد، أن إثنين من الإرهابيين في داعش، هاجما بالسلاح كنيسة لإخوتنا المؤمنين المسيحيين في باكستان، وأطلقا النار على جمع غفير من المصلّين، فقتلا ثمانية أشخاص قبل أن يقتلا من قبل رجال الأمن في تلك الديار، وإلاّ لكان الضحايا بالعشرات.
فَذكّرنا هذا الحدث الإرهابي، بكثير من الجرائم المشابهة أو الأخطر منها، التي ارتكبتها منظمة داعش المجرمة، وأخواتها وبنات عمها والشبيهات، على مساحة العالم، بشكل عام، وعلى مساحة الوطن العربي بشكل خاص، من سوريا إلى مصر وليبيا، مروراً بالعراق واليمن، وجرود لبنان في سلسة جبالنا الشرقية الشمالية.
وتراءت لنا صور من الماضي القريب والبعيد، كيف كان هؤلاء الإرهابيون يعتدون على العزل، من كل الأديان، أطفالاً ونساءً ورجالاً، على الطرقات، وداخل البيوت، وفي بيوت الصلاة، من المساجد إلى الكنائس، ومن الحسينيات إلى المجالس، فيبقرون بطونهم، ويسملون عيونهم، ويلقون بهم أحياء، إمّا في الأنهر، وإمّا من أعلى البنايات، وإمّا في حفر جماعية، على مرأى ومسمع من العالم وهم يطلقون صيحات: “الله أكبر” إعلاناً لإسلامهم، أو لهويتهم الإسلامية… فأساؤوا إلى الإسلام، كدين حنيف، وإلى المسلمين المؤمنين المعتدلين، وإلى كل الأديان السماوية، والقيم الإنسانية.
وفي ذات الوقت، ذَكّرنا مشهد اليوم، بما سبق لوسائل الإعلام أن تناولته، من أخبار مفرحة، إذ أوردت خبراً عن عجائب وغرائب العالم، في العام 2014 حيث نقرأ:
“إن هرّة سوداء صغيرة، في ولاية كاليفورنيا الأميركية، تدعي “تارا” تمكنت من إنقاذ طفل يدع جيريمي تريانتا فيلو، البالغ من العمر أربع سنوات، من بين أنياب كلب أشرس، يقول أصحابه: إنه يكره الأطفال، كما يكره الإرهابيون بني البشر، فاستحقت الهرّة تارا “لقب البطلة”.

وكذلك، تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر فقمة أنقذت كلباً، كان يسبح في البحر، من إعتداء سمكة قرش هاجمته لافتراسه.
وبعد أن تمكنت الفقمة البطلة الثانية هذه، من إبعاد سمكة القرش المفترسة، عن الكلب الضحية، حملته على ضهرها… وأوصلته إلى شاطئ الأمان، فرفع يده شاكراً، وراح يؤشر لها بالإقتراب منه، فاقتربت، ليتبادلا القبلات في مشهد يفتت الأكباد، ويثير كثيراً من التساؤلات، حول الرقي الآسر، في تصرفات الهرّة والفقمة، وحول الإنحطاط المشين، في تصرفات الإرهابيين من بني الإنسان.
إن ما شاهدناه في اﻟﭭيديو، وما قرأناه في الصحف، عن ردة فعل الهرّة السوداء، ضد الكلب الأشرس، فرض علينا أن نسجل للتاريخ، في هذا المقال – الرسالة، تقديرنا لتلك الهرة العظيمة، دون أن ننسى تدوين تقهقرنا في تصرفاتنا المشينة، مقارنة مع تصرفاتها الراقية جداً.
ثانياً: تحيّة الإكبار والتقدير
حضرة هرّة كاليفورنيا السوداء البطلة!
قبل إهدائك تحيتي وتقديري واحترامي، واحترام وتقدير وتحية كل أحرار العالم وأدبائه وشعرائه وفلاسفته ورسّاميه وفنانيه وصحافييه وقضاته والمحامين فيه، سألت رب العباد أن يلهمني القدرة على صياغة إعتذاري إليك بالأسلوب الذي يليق بمقامك العالي، لجهلي لغتكِ رغم فصاحتها مترجمةً بأفعال بطولية مصورة على مساحة العالم، فمقامك أصبح عالياً بمستوى جبل قاف، الذي لا يدخله إلاّ الأطهار والأبرار والأخيار، في حين سقطنا نحن جميعاً إلى المحل الأسفل في جهنم، بعجزنا وتناحرنا وعشقنا المالَ والكراسي، وتعصّبنا وهدم أوطاننا بأيدينا، وتعطيل مؤسساتنا الدستورية بأنانيتنا، وتقديم مصالح الدول الأجنبية على مصالحنا الوطنية، وعدم اكتراثنا لفقدان النخوة من رؤوسنا، وتقهقرنا في سلّم تصنيف الدول، من وقوفنا على عتبة العالم الأول في سبعينات القرن الماضي، إلى آخر الدرجات في العالم الثالث، في العقد الأول والعقد الثاني، من القرن الحادي والعشرين.
ثالثاً: بارقة الأمل في تصرفات الهرّة السوداء
وبعد إلقائي السلام العاطر عليكِ، أقول: في الوقت الذي كانت تقف فيه البشرية مشدوهة، أمام الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها منظمة داعش الإرهابية وأخواتها وبنات عمها والشبيهات، بحق المسيحيين والأزيديين والأكراد والتركمان وسائر الأقليات في العراق – والشام ومصر، وبحق كل الذين لا يقولون قول هذه المنظمة الغريبة الأطوار، ولا يبايعون قائدها بالخلافة، حتى لو كانوا مسلمين أقحاحاً… أو حتى لو كانوا نساءً أو أطفالاً أو ملتجئين إلى بيوت الله في الكنائس والمساجد والحسينيات والمجالس والأديار، طلباً للحماية الإلهية، بعد أن عزّت عليهم الحماية الإنسانية، وعجزت عن تقديم أي عون لهم.
نعم، في هذا الوقت العصيب بالذات، أطللتِ علينا ببارقة أمل إذ تناقلتْ، بتاريخ 5 أيار 2014، وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي المختلفة، بالصوت والصورة، ثورتك المباركة ضد كلب إرهابي شارد أشرس، ومفطور على الجريمة والنهش والإعتداء، ومُشجّع على التمادي في جرائمه واعتداءاته، من قبل الذين يعلفونه، لاستعباده واستخدامه في محاربة أعدائهم، فكبر بسرعة، وأصبح قادراً على زرع الرعب في كل مكان، حتى تحت أسرّة بيوتهم.
رابعاً: تصرّفات الطفل جيريمي والكلب الأشرس
وللتذكير بالمشاهد التي هزتنا نقول: رَأَينا، في بادئ الأمر، ورأى العالم معنا طفلاً أميركياً أشقر، يركب دراجة أطفال بثلاثة دواليب لصغر سنّه، على مقربة من ساحة عامة، في كاليفورنيا، يؤمها الناس جماعاتٍ ووحدانا بشكل ملفت للنظر، وتؤمها كذلك أنواع مختلفة من الكلاب والقطط ذكوراً وإناثاً.
وشاهدنا، في ذات الوقت، كلباً ضخماً يلتف مطأطئ الرأس، حول سيارة كانت واقفة على مقربة من الساحة التي كان يلهو فيها الطفل فَرِحاً سعيداً، ليوهم المارّة بأنه سليم الطوية، ولا يبغي من جولته إلاّ التسلية وتقطيع الوقت، مع ذلك الطفل الأشقر.
أمّا في واقع الحال، فقد كانت لدى هذا الكلب الإرهابي الخبيث غايات إجرامية مضمرة، ولهذا رأيناه لم يُقم وزناً لبراءة الطفل الصغير، بالرغم من أنه لم يأخذ عليه أي مأخذ مهما كان بسيطاً، فهو لم يصرخ عليه، ولم يضربه بعصا، ولم ينتهره ليترك المكان، ولم يحاول أن يعكر عليه قيلولته أو ماء شربه، أو أن ينتزع من بين فكيه جثة دجاجة ظفر بها، ليتخذ من ذلك ذريعة لإعلان الحرب ضده، كما فعل الذئب بقرقور الأديب الفرنسي الخالد Jean de la Fontaine، قبل حوالي (350) سنة من الآن، مركّباً للقرقور الصغير وسلالته ملف تعكير المياه.
ورغم براءة الطفل الصارخة، شاهدنا الكلب الإرهابي الشارد هذا، مصمماً على نهش الطفل، فتقمّص شخصية الحرامي اللص، أو الإرهابي التكفيري، أو أحد أشباهه، فتأكّد من نوم ِ أو من لهوِ الرعاة والقادة والحرّاس، أو من فقدان النخوة في رؤوسهم، وراح يمشي الهوينى على رؤوس أصابعه، حتى لا يشعر به أحد، إلى أن وصل إلى مسافة لا تتعدى العشر سنتمترات خلف الدراجة، فانقض بسرعة على ذلك الطفل المسكين، وقام بعضّه في بطة رجله اليمنى، وراح يشد به إلى أن أوقعه عن الدراجة إلى الأرض، فَعَلا الصراخ والبكاء، وبقي الكلب مستمراً في مشروعه الجرمي، لتحقيق القتل أو التعذيب بدون سبب.
خامساً: الهرة السوداء تخلع رداء الخفر
وشاء القدر أن تمرّ هرتنا السوداء المبجّلة في ذلك المكان، وأن تشاهد إعتداء الكلب الإرهابي الهمجي على الطفل البريء، فخلعت عنها ثياب الخفر، وتركت لقادة الدول ورؤساء الأحزاب والميليشيات حسابات الربح والخسارة، وشنّت هجوماً ساحقاً ماحقاً ضد الكلب الاشرس، وأنشبت أسنانها بكتفه، ومخالبها في بطنه وضلوعه، فأرعبته وحملته حملاً على ترك رِجْل الطفل المسكين، وعلى الفرار من وجهها، فرار ابن آوى من الراعي الساهر على سلامة قطيعه، فتبعته بالعضّ والغرمشة إلى مسافة تكفي لإقامة منطقة آمنة بعرض 50 أو 60 متراً، ومن ثم عادت مسرعة إلى حيث وقع الصبي لتطمئن عليه، وتقدم له كل مساعدة إذا لزم الأمر.
ولمّا وصلتْ قلقة مستنفرة إلى مكان الحدث، شاهدتْ إمرأة من المارّة تقوم بالإهتمام بالطفل، فوقفت تنتظر مغمورة بالسعادة، حتى انتهت السيدة من المساعدة، والطفل من البكاء… ومن ثم ذهبت بحال سبيلها، بحثاً عن غذاء تعود به إلى أبنائها، أو بحثاً عن طفل جديد يتعرّض لاعتداء غاشم، حتى تصد الإعتداء عنه، دون أن تمنّن أحداً بما فعلت، ودون أن تفرض على أحد أية خوّة سياسية أو مالية أو الإنتقال من محور إلى محور، ودون أن تلجأ إلى الدعاية لنفسها، أو الترويج لأسلحتها، فتختبر قوة هذه الأسلحة وتبيعها بأغلى الاسعار.
سادساً: مشاهدة ﭭيديو الحدث، والأسئلة المحورية
إن الذين شاهدوا اﻟﭭيديو، الذي قامت بتصويره كاميرات الأمن، في كاليفورنيا، تساءلوا وتساءلنا:
1-ما هو الشعور، الذي حمل تلك الهرّة، على إعلان معركة لا علاقة لها بها، ضد كلب أشرس، وأكبر منها حجماً بمرتين ونصف المرّة، لإنقاذ طفل بشريّ من غير جنس ومن غير لون لا تعرفه، فهزمت الكلب هزيمة نكراء، وتفوقت بذلك على كل الأمهات وكل الأبطال وكل الأنمار والأسود وقادة الجيوش والدول؟
2-ما هو الشعور الذي حمل تلك الهرّة، على إعلان هجوم خاطف بسرعة البرق، ضد خصم كان قادراً على إلحاق الأذى بها وفصفصة عظامها، لو لجأت إلى مهادنته والوقوف على خاطره، أو لو طرقت باب مجلس الأمن، لتحصل على قرار منه بالهجوم، دون فيتو من أحد النافذين؟
3-ما هو شعور قادة العالم، إذا شاهدوا ما شاهدنا، عندما يرون عجزهم الفاضح في محاربة داعش وأخواتها وبنات عمها والشبيهات، وعدم قدرتهم على إنقاذ الأطفال الذين يُذبحون، والنساء اللواتي يُغتصبن، والآمنين الذين يُشرّدون، والمؤمنين الذين يُكرهون على ترك أديانهم، وإلاّ كان القتل والتنكيل بهم على رؤوس الأشهاد.
سابعاً: دعوة إلى مؤتمر عالمي إسلامي
ونسأل: ما هو شعور رجال الدين الإسلامي الحنيف، في كل مواقعهم القيادية والتوجيهية، عندما يرون تشويه صورة الإسلام، على يد الذين يشنون حربهم الهمجية ضد البشرية بإسم الدين الإسلامي؟ ألا تستحق الجرائم الشنعاء التي ترتكب بإسم هذا الدين الحنيف، على مساحة العالم، أن تحملهم على توجيه دعوة عاجلة إلى مؤتمر عالميّ طارئ، يعقد في الأزهر الشريف في مصر، أو في مكة المكرّمة في المملكة العربية السعودية، أو في النجف الأشرف في العراق، أو في أية مدينة متسامحة دينياً، مثل مدينة دير القمر اللبنانية، حيث تكثر دور العبادة فيها، فنجد كنائس للمسيحيين، وخلوة للموحدين الدروز، وكنيساً لليهود، وجامعاً للمسلمين، منذ عهد الأمير المعني فخر الدين الثاني الكبير.
وذلك لبحث تسونامي رعب التكفير الديني، الذي لم يسبق له حتى في العصر الجاهلي، أي مثيل، فيصدرون عبر هذا المؤتمر العالمي توصية، بإلقاء الحرم على الجماعات التكفيرية وأخواتها وبنات عمها والشبيهات، وكل من يزوجهم، أو يناسبهم، أو يقدم لهم وجبة غذاء، أو كأس ماء، وكلّ من يشاركهم أو يساعدهم في حروبهم العبثية المدمّرة لكل القيم الدينية، أو يجاريهم في زرع البدع الجديدة داخل الدين الإسلامي الحنيف، مثل بدعة جهاد النكاح، وبدعة إرضاع الكبير، وبدعة قطع رؤوس الأبرياء، للظفر المزعوم بدخول الجنة والإستئثار بالحوريات؟
ثامناً: تحذير قادة الدول الحضارية من مغبة التراخي
ونسأل من جديد: ما هو شعور قادة الدول الغربية المشبعة بالعدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان، عندما يسكتون عن كل المجازر التي ترتكب في سوريا والعراق ومصر وليبيا، أو يكتفون بشن الغارات الجوية، رغم مناشدة الثوار الحقيقيين والشعوب المقهورة لهم، بالتدخل العسكري على الأرض لحمايتهم من الذبح والتهجير والإغتصاب، وقطع الرؤوس، أو على أخذ المبادرة بتزويدهم بالسلاح المتطور، ليتمكنوا من محاربة الرؤساء الدكتاتوريين والقادة التكفيريين على حد سواء …، فهؤلاء وأولئك وأنصار الفريقين وجهان لعملة مزيفة واحدة؟
وما هو شعورهم عندما يسكتون، عن إنتقال أعداد كبيرة من الرجال والنساء والمراهقين، من دولهم إلى سوريا والعراق، للإلتحاق بداعش وأخواتها، ويقومون بتطبيق فلسفة داعش وبنات عمّها والشبيهات، المبنية على الذبح وقطع اللسان والرأس والأذنين وكل النواتئ الأخرى؟
ألا يخشون أن يعود هؤلاء المجرمون، إلى بلادهم مشبعين بالإثم والجريمة وقطع الرأس وسفك الدماء، فيزرعون فيها دواعش مستنسخين، في كل قرية ومدينة ودسكرة ومدرسة وجامعة؟
وما هو شعورهم، عندما تُعلن أعداد كبيرة من سيدات البيوت وبنات المدارس والجامعات في أوطانهم، أنهنّ قادمات للقيام بجهاد النكاح، في أسرّة الدواعش، ومن ثم يعدنَ إلى بلادهنّ حوامل من أباء لا يعرفن أصلهم وفصلهم وحتى إنهنّ لا يعرفن أسماءهم؟
ألا يخشون، أن تكون ثمارُ حمل النساء المجاهدات، في جهاد النكاح، أطفالاً دواعش، فيكبرون ويعيثون في البلاد فساداً، إلى حد التدمير، في رعاية أمهات جانحات؟
ألا يخشون أن تنتصر داعش وأخواتها وبنات عمها والشبيهات، في العراق ومصر وسوريا، فتصبح على تخوم أوروبا الشرقية والغربية… ومن ثم تتحفز لإجتياحها وإجتياح الأميركيتين من بعدها، كما اجتاحت بلاد الشام وبلاد الرافدين؟
ألا يخشون، في أبسط الحالات، أن تستمر هذه الحرب المدمّرة عشر سنوات، وأن تستمر قوافل المجاهدات في جهاد النكاح عشر سنوات، وأن تستمر أرحامهنّ في العمل الجهادي عشر سنوات… في ظلّ التقصير الفاضح في محاربة المنظمات الإرهابية، فتصبح أعداد المواليد الدواعش بعشرات الألوف، إن لم نقل بمئاتها؟
تاسعاً: إقتراحات بتكريم الهرّة السوداء “تارا”
وبعد هذه التساؤلات، أقترح على كل قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية، أن يبادروا إلى تكريس هرّة كاليفورنيا السوداء تارا بطلة العالم في الدفاع عن الطفولة البريئة، وبطلة العالم في أخذ المبادرة لكبح جماح الإرهاب والإرهابيين، وجماح جهاد النكاح والحمل الحرام.
وأقترح أن تقام في كل دولة مباراة بين النحاتين والرسامين وأبناء الكلمة لإنجاز أعظم تمثال، وأعظم لوحة زيتية، لأعظم ثائرة في القرن الحادي والعشرين، أي لهرتنا البطلة السوداء، صاحبة السيرة البيضاء… فتنصب تماثيلها في الساحات العامة والمتاحف، محل تماثيل القادة الدكتاتوريين، وتعلّق لوحاتها الزيتية في قصور الحكّام، وفي الجامعات والمدارس وبيوت المواطنين، ويُعمّم إسمها في كل وسائل الإعلام.
وأقترح أن تعقد المؤتمرات العلمية، بحضور علماء اللغات والأصوات والإشارات لفك رموز لغة الحيوانات بشكل عام، والهررة بشكل خاص، والهررة السوداء بشكل أخص، من أجل التوصل إلى معرفة لغاتهم، والتواصل معهم فنغتني منهم أكثر ممّا يغتنون منّا، ونقلع عن بدعة إلقاء تهمة الهمجية والوحشية على الحيوانات دون الإنسان، ونقلع عن بدعة إلصاق تهمة الجُبن ببني هرّ، أو بدعة عدم جواز الجمع في عالم الحيوانات جمعاّ مذكراً سالماً، أو جمعاً مؤنثاً سالماً… فآن الأوان لنعترف بأن هرتنا السوداء هذه وشبيهاتها في عالم الحيوان، متقدمة علينا كثيراً في مجالات كثيرة من مجالات الإبداع والفضيلة. ومن يشكك في ذلك فليسأل الأديب الفرنسي الكبير بيار بلمــار مؤلف كتاب: “L’empreinte de la bête ” الذي يتكلّم فيه عن خمسين قصة، كان للحيوان فيها الدور الأول، في إنقاذ البشر كباراً وصغاراً ومرضى ومهددين ومشرّدين.

وإلى أن تأتي تلك الساعة المباركة، أقف إجلالاً، وعن بعد، أمام تلك الهرّة السوداء العظيمة، وأمام نسلها، وبنات جنسها، دون الذكور عندهن، فالذكور عندهن بدون فضائل مثل ذكور النحل، مثل ذكور الأفاعي، مثل ذكور كثير من القبائل السياسية والطائفية والمذهبية المنتشرة على مساحة الكون، وخاصة في عالمنا العربي المتهالك، والسائر بخطى سريعة نحو الزوال.
عاشراً: نداء إلى أحرار العالم
وفي الختام: أوجه ندائي إلى أحرار العالم فأقول: كفانا مجبنة يا قوم! كفانا مجبنة يا قوم! كفانا مجبنة يا قوم! فالنار المدمرّة في كل بيت، وضحايا القتل والإغتصاب على كل مفرق، وكنوز الحضارة في مهب الريح، وأبناء نيرون وإخوته من كل الإعراق والأجناس يتكاثرون بمئات الألوف.
ألا هبوا من غفلتكم، واشهروا في وجه كل الدواعش سلاح العلم ضد الجهل، وسلاح التسامح ضد التعصّب، وسلاح المحبة ضد الكره، وقولوا وردّدوا مع أبي العلاء المعرّي: لا إمام لنا إلاّ العقل، ولا تنسوا أن الحرب لا تخاض بالقفازات، وأن الرطل في ميزانها لا يرد إلاّ بالرطل ونصف الرطل، أو بالرطلين معاً في الظروف الإستثنائية.
وتذكّروا دائماً، يا قادة العالم وأحراره!
أنّ جيش لبنان البطل، رغم إمكانياته المادية المتواضعة، إستطاع أن يقضي على داعش، في جرودنا البقاعية الشمالية، ويطردها من أرضنا بسرعة قياسية … فانتزع عن جدارة إعجاب العالم وقادة الجيوش في كل الدول… تشبهوا به، ودرّسوا معركته في المدارس الحربية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 25- كانون الثاني 2018 – السنة الثالثة).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!