في مدى صواب معالجة القضاء لحقوق المودعين/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
عندما تطال الأزمة المالية المصرفية في لبنان كلّ المصارف العاملة التي يبلغ عددها ٧٠ مصرفاً، كذلك كلّ المودعين الذين تبلغ حساباتهم لديها حوالي 2413000 حساب مصرفي (نقلاً عن رئيس الحكومة اللبنانية السيد نجيب ميقاتي)،
وعندما يكون قد تمّ تنظيم إستيفاء المودعين لودائعهم مرحليّاً من خلال التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان تباعاً بالتنسيق مع جمعية المصارف وأركان الدولة اللبنانية،
وعندما تكون السلطتان الاجرائية والتشريعية على قاب قوسين من إصدار قانون “الكابيتال كونترول” الذي سينظّم السحوبات المصرفية للمودعين كذلك حركة أموالهم داخل لبنان وخارجه،
لم يعد بوسع القضاء اللبناني أن يجتهد على نحو يطبّق فيه القوانين العامة السارية المتعلّقة بحقوق المودعين وبالتزامات مصارفهم تجاههم التي يُعمل بها في الظروف العادية، بمعرض الدعاوى التي يتقدّم بها فرادى من هؤلاء المودعين ضدّ مصارفهم،
ذلك أنّ إعمالها بشكلٍ مبسّط وحرفي من شأنه أن يؤدّي إلى إعلان توقّف تلك المصارف (المدعى عليها) عن الدفع، كما الى إعلان إفلاسها ووضع اليد على أموالها وأصولها، تمهيداً لتصفيتها، على مدى عقود من الزمن ، لقاء تحصيل مبالغ مالية لم تصل يوماً، وفي أي حال، الى خمسة بالمئة (٥٪) من قيمة الودائع المودعة لديها.
الأمر الذي يتعارض مع مصلحة جماعة المودعين في لبنان، والذي يقضي بأن تبقى المصارف التي أودعوا فيها ودائعهم في وضعية المصارف العاملة التي تسعى الى إيفائهم ودائعهم ولو تدريجاً، وبمقدار ما تُحمَل السلطات العامة على ردّ الأموال التي استدانتها منهم، حتى يتمكّنوا بدورهم من سداد ودائع عملائهم بها.
وفي أي حال، إنّ كلّ حلّ يقضي به القضاء ولا يراعي قاعدة الإنصاف ويتجاهل قاعدة الملاءمة، بمعنى أن لا تكون له ارتدادات سلبية على الجماعة في ما لو تمّ تعميمه عليها، يكون يكتنز حتماً ولزوماً خطأً في فهم وتطبيق القواعد الوضعية، مما يوجب إعادة النظر به وتصحيحه.
من هنا، بات يتعيّن على الهيئة العامة لمحكمة التمييز أن تلتئم للتوّ حتّى تتصدى لمسألة مقاضاة بعض المودعين لمصارفهم، فتضع أطراً لعمل المحاكم يراعي الوضع المالي والمصرفي عامة في البلاد، ويوفّر القدر الأكبر من الحماية لحقوق جميع المودعين على أراضي الجمهورية اللبنانية.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/2/7