لماذا لا تقبلون وجود الشرفاء في الإدارة اللبنانية؟ عصام اسماعيل
د. عصام نعمة إسماعيل:
نعم، إنّ الإدارة اللبنانية غنية بالعناصر الكفوءة والنظيفة الكفّ، وكفى تشويهاً لسمعتها بالجملة وبغير دليل ولا بيّنة، فمن كان منهم مذنباً أو مقصّراً فليدان غير مأسوفٍ عليه، ومن كان يعمل ويرتقي بالإدارة العامة، فليس من العدل إبقاءه في موضع الشكّ والتجريح، وليس من الحكمة الوقوف إلى جانب من يفتري على موظّفٍ عام ويتهمّه زوراً، بعد أن ثبتٍ بحكمٍ قضائي أنّه أدلى بشهادة زور.
إنّ من أنصف رئيس الجامعة اللبنانية ليس الإدارة العامة لكي يقال إنّه يجب أن ندافع عن د. عصام خليفة في وجه حملة ظالمة تواجهه، بل من أنصف رئيس الجامعة اللبنانية هو القضاء، هو القضاء الذي تطالبون برفعته ونزاهته واستقلاليته، فإذا بكم وعند أوّل اختبار تنقلبون على القضاء وتتهمونه وتنتصرون للمتهم، وتحاكمون المجني عليه لا لسببٍ إلاّ لكون المجني عليه موظّفاً عاماً.
إنّ القضاء، ليس ديوانية أبو ملحم ليجري التسويات، إنّه يحكم بين طرفين متنازعين، وفي قضيّة د. عصام خليفة، يستحيل أن ينال الطرفان البراءة، فإمّا رئيس الجامعة هو مذنب ومارس صرف النفوذ للإستيلاء على المال العام، وإمّا د. عصام خليفة مذنب بافتراءئه واختلاقه هذه الجريمة. فأحدهما يجب أن يكون بريئاً والثاني مداناً.
ولهذا بعد التدقيق في معطيات الملفّ لم تجد الهيئة الاتهامية أيّ معطيات تدين رئيس الجامعة اللبنانية، فأصدرت قرارها رقم 118 تاريخ 2019/12/30 باتهام المدعى عليه عصام كمال خليفة بجناية المادة 408 عقوبات وإصدار مذكّرة إلقاء قبض بحقّه، وإحالته إلى محكمة الجنايات في بيروت ليحاكم أمامها بما اتهم به وإحضاره إلى مكان التوقيف الكائن لديها.
طبعاً، إنّ قرار الهيئة الاتهامية ليس حكم إدانة، بل هو قرار إحالة أمام محكمة الجنايات التي وحدها من له الصلاحية والحقّ بالتقرير في ما أحيل بموجبه المدعى عليه، ولا مبرّر لكلّ هذه الحملة على القضاء وترهيبه وثنيه عن الحكم بالملفّات العالقة أمامه.
لقد اطلعت الهيئة الاتهامية على الملفّ، ووجدت أنّ الوقائع التي أدلى بها المدعي عليه د. عصام خليفة هي وقائع كاذبة وفيها تحوير متعمّد للحقائق، وقضت في حيثيات قرارها أنّ المدعى عليه:”جزم بالباطل خلال استماعه كشاهدٍ أمام السلطة القضائية الممثّلة بالنائب العام المالي في معرض التحقيق باختلاس أموال عمومية وصرف نفوذ، يكون قد استجمع في فعله عناصر جنحة وجناية المادة 408 عقوبات الأمر الذي يفضي إلى فسخ القرار المستأنف وتبعاً الظنّ بالمدعى عليه بالجنحة والجناية المذكورتين”.
وللعلم، فإنّ هذا الموظّف المفترى عليه، ذهب إلى القضاء ورفع السرّية المصرفية عن حساباته وحسابات عائلته، وأوضح كافة الحقائق حول ما هو منسوب إليه، وبعد ذلك لا يكون مقبولاً إهمال كلّ هذه الحقائق، ولا يبقى عالقاً في الأذهان إلاّ التهمة الموجّهة إليه أنّه جنى مبالغ كبيرة من المال العام بدون وجه حقّ.
أليس تكرار هذه الأقوال هو تكرار للإساءة، ثمّ ألا يحقّ للموظّف العام أن يدافع عن نفسه ويثبت عدم صحّة الأكاذيب التي تطاله، وإلى متى يبقى موظّفو القطاع العام النزيهون والمستقيمون عرضةً للافتراءات والأكاذيب والشائعات التي تطالهم دون رادعٍ ولا حساب؟
من خلال هذا السؤال، نرى جرأة القضاء بإنصاف موظّفٍ عام، وهو يعلم أنّه يدين متهماً له مكانة إجتماعية ومدعوم من هيئات المجتمع المدني والحزبي والسياسي. فلم تبالِ الهيئة الاتهامية بهذا الدعم الخارجي للدكتور عصام خليفة وقرّرت اتهامه وإحالته إلى محكمة الجنايات، معليةً بذلك شأن القانون على أيّ اعتباراتٍ أخرى. ولعلّ هذا القرار هو الانطلاقة الصحيحة التي يجب أن يخطوها كلّ موظّفٍ عامٍ توجّه له التهم جزافاً لا لسببٍ إلاّ لكونه موظّفاً عاماً.
“محكمة” – السبت في 2020/1/4